طرحت الصور الصادمة للمجاعة في غزة واقعًا لا يمكن تجاهله، كما يؤكد الكاتبان عمرو حمزاوي ومروان المعشر. لم يعد ممكنًا تفسير موت الأطفال جوعًا بعمليات القتال ضد "حماس"، التي تراجعت قدراتها العسكرية بشكل كبير. تصاعدت الأدلة على استخدام إسرائيل سلاح التجويع ضد المدنيين، وسط صمت دولي آخذ في التراجع.

بدأت كندا وفرنسا والمملكة المتحدة تُعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر، فيما واجهت دول مثل ألمانيا وإيطاليا صعوبة في مواصلة الصمت. في الوقت ذاته، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب، سعيًا إلى الحفاظ على ائتلافه الحكومي، رغم تزايد الضغوط الداخلية والخارجية. لكن يبدو أن الواقع على الأرض، وما ينقله الإعلام العالمي، سيُضعف استراتيجيته. وتعكس تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا احتمال تغيّر في موقف واشنطن.

أشارت مؤسسة كارنيجي إلى أن العالم العربي استقبل صور المجاعة بصدمة وغضب. أسقطت مصر والأردن والسعودية والإمارات مساعدات جوية على غزة، وفعّلت مصر حدودها البرية لإدخال مئات الشاحنات، بعد إعلان إسرائيل وقفًا يوميًا محدودًا للنار. كثّفت مصر وقطر جهودهما الدبلوماسية مع الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق نار. دعت الحكومات العربية ترامب إلى التدخل الحاسم، بينما خرجت تحركات شعبية سلمية تطالب بإنهاء الحرب وتسريع إيصال المساعدات.

رأى حمزاوي أن هناك مؤشرات واضحة على تغيّر المزاج الدولي بشأن فلسطين. قبل أشهر، سيطرت خطة إسرائيل لتهجير سكان غزة – والتي حظيت بدعم أولي من ترامب – على النقاش العالمي. لكن قيادة مصرية واضحة رفضت التهجير وطرحت خطة إعادة إعمار شاملة حظيت بدعم أوروبي. ومع استمرار الحرب وتفاقم المجاعة، تغيّر النقاش من دعم اليمين الإسرائيلي إلى إعطاء الأولوية لإنهاء الحرب وتمكين الفلسطينيين من الأمن والسلام، كما يتضح من تحركات الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية.

أضاف حمزاوي أن المبادرة السعودية الفرنسية لحل الدولتين أعادت الزخم السياسي، حيث أصدرت 22 دولة عربية والاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا لدعمها. طالب البيان حركة "حماس" بتسليم السلاح والسلطة في غزة للسلطة الفلسطينية، وأدان هجمات 7 أكتوبر، ودعا إلى حل يقوم على "الأرض مقابل السلام"، أي دولة فلسطينية مستقلة مقابل أمن إسرائيل.

أشار المعشر إلى أن 147 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة تعترف حاليًا بدولة فلسطين. قد لا ينجح هذا الاعتراف في تحقيق حل الدولتين قريبًا، بسبب الرفض الإسرائيلي والدعم الأميركي، لكنه يُظهر تحولًا واضحًا في الموقف الدولي. بيّن استطلاع حديث لمركز "بيو" أن نسبة الأميركيين الذين يحملون نظرة سلبية تجاه إسرائيل تجاوزت 50%، خاصة بين الشباب من الجمهوريين والديمقراطيين. استمرار الحرب دون تدخل دولي فاعل سيعمّق هذا التحول في الرأي العام الأميركي والعالمي.

ركّز المعشر على الدور النشط للأردن، الذي كثّف جهوده الدبلوماسية والإنسانية، حيث زار الملك عبد الله كندا وألمانيا والولايات المتحدة لحشد الدعم لوقف الحرب وإيصال المساعدات. تعاونت هذه الدول مع الأردن في الإسقاطات الجوية والمساعدات البرية، وشارك الأردن في مؤتمر أممي حول حل الدولتين، سعيًا إلى تحريك المسار السياسي.

من جهته، أكّد حمزاوي أن مصر تبنّت نهجًا دبلوماسيًا مباشرًا لتغيير مجريات الأحداث، وشاركت في مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة. نسّقت مصر مع إسرائيل لإدخال الشاحنات عبر المعابر، وناشد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الإدارة الأميركية لوقف الحرب. سعت القاهرة مع عواصم عربية وأوروبية إلى فرض ضغط حقيقي على إسرائيل لإنهاء الحصار المفروض على غزة، وأعادت في تصريحاتها الرسمية التأكيد على مبدأ "الأرض مقابل السلام" كإطار عادل لحل الصراع.

أوضح حمزاوي أن إدارة ترامب تشعر بالإحباط من استمرار الحرب. سمع البيت الأبيض تحذيرات من حلفائه في الشرق الأوسط بشأن تداعيات الحرب على الاستقرار الإقليمي. أُبلغ ترامب بأن مواصلة الحرب تُفاقم خطر الإرهاب والعنف، ما يفرض تحركًا أميركيًا حاسمًا لوقف القتال وإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الكارثة الإنسانية. لتحقيق ذلك، ينبغي أن تنخرط واشنطن في استراتيجية شاملة توازن بين الدبلوماسية، وصناعة السلام، وتحقيق الأمن الجماعي.

https://carnegieendowment.org/emissary/2025/08/gaza-starvation-palestine-statehood?lang=en